بشفافية |
نجم الدين محمد نصر الدين |
حيدر المكاشفي
غيّب الموت يوم الاربعاء الماضي المثقف المتميز والقانوني الضليع والكاتب الصحفي المهموم بأمهات القضايا الوطنية الاستاذ الصديق الرقيق نجم الدين محمد نصر الدين بعد صراع مرير مع داء الكلى خاضه الرجل بشجاعة وثبات وإيمان وتحدٍ إلى أن أخذ الله امانته، لم يقعده المرض عن مواصلة اسهاماته ونشاطاته الثقافية والاجتماعية والحقوقية والصحافية، ولم يصرفه همه ووجعه الخاص عن التفاعل والانفعال والتواصل مع الهموم والاوجاع العامة، بل كان يتحامل على مصابه الخاص حتى في احرج لحظات مرضه، وكان يحمل هموم وطنه وأوجاع شعبه أينما حلّ وارتحل خلال رحلة بحثه عن العلاج، فكان السودان وشعب السودان وقضايا السودان حاضرة عنده على الدوام وهو على السرير يتلقى جرعات الغسيل في الولايات المتحدة، أو وهو معلّق في الهواء في الطريق إلى الصين أو في القاهرة أو الخرطوم وغيرها، كان الوطن والهموم الوطنية دائما مقدمة عنده على ما سواها، وكل شئ عنده في سبيلها يهون، حيث كانت أنات الوطن تطغى على أنينه الخاص فينسى آلامه وأوجاعه ويعكف على كمبيوتره المحمول ليكتب للوطن وعن الوطن ما يثري به صفحات الصحف والمواقع الاسفيرية. وقد شهدت له هذه الصحيفة «الصحافة» التي تشرفت بأن كان أحد كتابها الراتبين الذين جمّلوا صفحات الرأي فيها ورفدوها بالفكر الثاقب والملاحظات الذكية والآراء النيرة والانتقادات الموضوعية، شهدت له صفحاتها بهذه الحمية الوطنية والاخلاص الذي يسترخص كل شئ في سبيل الوطن، وكان يتوسل لبلوغ غاياته الوطنية الكبرى التي كانت محط اهتمامه بلغة رزينة ورصينة تخصه وحده تعرف انها له من أول سطر دون النظر إلى صورته أو مطالعة اسمه، يجللها بهيبة التناول الموضوعي المتوازن والمزاج المتزن وعقيدة التوسط، فلا تملك إلا ان تحترم وتستمتع بما يكتب وأن كنت معه فيه على خلاف، كان ذلك هو نجم الدين النجم الذي كان أول دفعته بكلية قانون جامعة الخرطوم، إذا رأيته لأول وهلة ربما ازدريته لتواضعه وبساطته، بينما هو في جوهره وحقيقته أسد هصور وعالم ضليع بما يتحدث عنه أو يكتب حوله وتلك شيم العظماء.
كتب مرة هذا السائح الوطني الزاهد في احدى سياحاته الوطنية بين عدد من القضايا الشائكة بأسلوبه المتفرد الخاص ليعرج ببراعة لتناول شأن ذي خصوصية له يقول:أخبار الوطن وهمومه هى دوما ما يلاحقك فى صحوتك أو حتى فى عز المنام كما قال الشاعر أو ذاك الآخر، الذى استطرد اننا أصبحنا كالأسماك لا نستطيع بعض فكاك نموت إذا فارقنا مياهه هذا المكان «المسقط للرؤوس» والذى أضحى مسقطا الآن لبعضها «بضم الميم».
فى احدى متابعاتى للفضائية السودانية متلهفا لتسقط الأخبار، أعلن المذيع الأستاذ عمر الجزلى ان هنالك إحتسابا من رئاسة الجمهورية، فقلت فى سرى لا بد انه انتقال لمسؤول حكومى كبير، ولم يطل الانتظار لينعى لنا الزميل الاستاذ الصديق الصدوق وضاح المحيا ابيض الثنايا والنوايا ، الاستاذ عبد الهادى أحمد، الشهير بعبود وزير الثقافة ونائب والى الشمالية ورفيقيه الذين قضوا فى حادث حركة وهم يغيثون أهلاً يعينونهم على الحياة ويدفعون حياتهم لذلك ثمنا ، فتمدد الحزن وأصاب القلب ثقل ظل ملازما لى بقية ذلك النهار وما طفق مصبحا ومقيلا ، فإذا بآخر يأتى فى أعقابه وبه الصدمة والذهول كله، وهو ما اصاب من مصيبة الأستاذ محمد طه محمد أحمد، زميلى فى مقعد الدرس وحجرته، بل مجموعته أول عهدنا بالطلب فى كلية القانون، وان فرقتنا دروب السياسة إلا ان تقاطعات الصحافة جمعتنا ثانية.
سلة الأحزان هذه وحقيبتى، هما ما صحبتانى إلى واشنطون ليتم التشاجن حول كل هذا وغيره مجددا مع الاصدقاء المقيمين هنالك والذين يوفون أنباء الوطن حقها فى المتابعة بأكثر مما يفعل المواطنون القاطنون الصامدون القابضون على جمره كما يُقال.
رحمك الله نجم الدين وألهمنا وآلك الصبر الجميل.